ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

عَلى قَدْرِ الْحِرْمانِ تَكُونُ الْحِرْفَةُ

14:04 - January 28, 2024
رمز الخبر: 3494381
بيروت ـ إکنا: إن المِحَن والحرمان والفقر المادي والابتلاءات ليست أموراً سلبية، ولا شروراً كما يتوهَّم مُعظمنا، بل هي خير واقعي بالنظر إلى ما ينتج عنها من بركات عظيمة

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "عَلى قَدْرِ الْحِرْمانِ تَكُونُ الْحِرْفَةُ".
 
لا عجب إن كان معظم العلماء والعباقرة والمبدعين بل معظم القادة على طول التاريخ البشري هم من الفقراء الذين عانوا الحرمان المادي أو العاطفي بداية حياتهم أو في مقطع كبير منها، فكانوا يجدون سلوتهم في العلم والمعرفة والإبداع، وكان الحرمان واحداً من أهم الأسباب التي دعتهم إلى ذلك، يستثير دفائن عقولهم، ويستجيش قابلياتهم، ويبَلوِر طاقاتهم، ويظهر استعداداتهم، ويدفعهم إلى الاعتماد على أنفسهم. ولذلك تراهم أهلَ حِرْفة، والحِرفَة: المِهنة، والصَّنعة، التي تَتَطلَّب نوعاً خاصاً من الماهرة.

وكلما كان الحرمان أكثر كان سبباً لتفجر المزيد من القابليات في الشخص، إذ يكون لديه دافع عظيم للخروج منه، فيعتمد على ذاته، ولا ينتظر من أحد أمراً، ويُظهر استعداداً قوياً للعمل والسعي، ولا يكون منه كَسَل ولا مَلَل حتى يخرج من محنته، ويحقق الكثير من أهدافه ولعله يحقق أكثر مما كان يطمح إليه.

والحقّ إن هذا شكل من أشكال التعويض الرباني للإنسان الممتَحَن، فالله سبحانه أعدل ما في الوجود، ولا يمكن في رحمته ولطفه أن يمنع عن الإنسان كل شيء، يمنع عنه شيئاً فيتفضل عليه بأشياء أخرى أعظم وأثمن وأكثر فائدة له وللنوع الإنساني.

وبهذا يتبين لنا أن المِحَن والحرمان والفقر المادي والابتلاءات ليست أموراً سلبية، ولا شروراً كما يتوهَّم مُعظمنا، بل هي خير واقعي بالنظر إلى ما ينتج عنها من بركات عظيمة، ولئن كان ظاهرها العُسر والضِّيق ففي باطنها يكمن اليُسر والخير الكثير، وهذه هي السَّنَّة الربانية في الابتلاء، فبه وحده تتفجر الطاقات وتظهر الاستعدادات، وبه يتعرَّف المرء على ذاته ويكتشف قدراته، وبه يقوى عوده، والتجارب العظيمة التي يكتسبها المرء من المِحن لا يمكنه أن يكتسبها في الرخاء والسَّعة والعيش الرغيد.
 
والمحن لا تُظْهِر استعدادات الأفراد وحسب بل تُظهر استعدادات الجماعات والشعوب والأمم، ولا نحتاج إلى بذل جهد كبير للبرهنة على ذلك، إذ يكفينا أن نراقب سِيَرَ الأمم التي سادت في التاريخ فنراها وليدة المِحَن والابتلاءات، ونرى تطورها وتقدمها ونموها الفكري والعلمي والصناعي وليد الأزمات والمِحَن التي واجهتها، ونرى الحِرمان الدافع الأهم لذلك.

ولك قارئي الكريم أن تقارن بين دول المنطقة فترى الشعوب التي فضَّلت الراحة قد استسلمت لأعدائها، فسلبوها قرارها واستقلالها وقدراتها، وسلبوها ثرواتها وخيراتها، ومنعوها من استثمار طاقاتها، وجعلوا منها دولاً ضَحلة هشَّة تعيش على المعونات القليلة، وتنتظر الحماية منهم، وفي المقابل نرى دولا أخرى حوصِرت منذ نشأتها بحصارات مالية واقتصادية، وشُنَّت عليها حروب مدَمِّرة، وهوجِمَت ولا تزال سياسياً وإعلامياً، لكنها كانت تتقدم مع كل يوم، وتتطور عاماً بعد عام في مختلف المجالات، معتمدة على قدراتها الذاتية، محافظة على استقلالها السياسي والاقتصادي.
 
وإذا لم يكفك ذلك قارئي الكريم فاستعرض في ذهنك مسار المقاومات في المنطقة فسترى أنها كانت تتقدم وتنمو وتقوى وتتحول إلى قوى مؤثرة في الإقليم، تقارع أعتى القوى العالمية، وكانت المِحَن هي الرافع لها والدافع لتطورها ونموها وابتكارها الحلول وإبداعها في فنون المواجهة.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha